وعن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: « كيف تقدس أمة لا يؤخذ من شديدهم لضعيفهم »1 رواه ابن حبان، وله شاهد من حديث بريدة عند البزار، وآخر من حديث أبي سعيد عند ابن ماجه.
نعم، وحديث جابر كما ذكر المصنف رحمه الله وهو ابن حبان، وكذلك رواه ابن ماجه من حديث أبي الزبير عن جابر، وذكر له شاهدين في حديثه، حديث بريدة، وحديث أبي سعيد، وينظر حديث أبي سعيد عند ابن ماجه، وقلنا حديث جابر بالجملة لا بأس به، بشواهده هو جيد، وهذا الحديث حديث جابر - رضي الله عنه -: « كيف يقدس الله أمة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم »2 لا تقدس لا تطهر، أمة يكون الإنسان مظلوما فيها ولا ينتصر له، كيف تقدس، قال عليه الصلاة والسلام: « انصر أخاك ظالما أو مظلوما »3 يرى الظالم بين الناس، ومع ذلك يعيش ظالما، يعيش الظالم ظالما، والمظلوم مظلوما بغم ظلمه، ومع ذلك يرى حقه يؤخذ وينتهك أمام الناس، ومع ذلك لا ينتصر له، ولا يؤخذ حقه، كيف تقدس هذه الأمة؟ حينما تظهر الظلامات وتبرز، ومع ذلك لا يؤخذ حق المظلوم من الظالم، وهذا من العقوبات العامة كيف تقدس؟ لا تطهر .
وجاء الحديث في الأحاديث المطولة عن جابر - رضي الله عنه - « أن النبي عليه الصلاة والسلام لما قدم مهاجرة الحبشة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: أخبروني بأعاجيب ما رأيتم في الحبشة، فقال فتية منهم: يا رسول الله، كنا جلوسا في مجلس، فمرت بنا عجوز من رهابينهم - من رهابين النصارى - تمشي وعلى رأسها قلة من ماء، فمرت بفتى منهم - من النصارى - فوضع يده بين كتفيها، ثم دفعها أمامها، فسقطت على ركبتيها، فلما استقلت التفتت إليه، قالت: أي غدر، ستعلم إذا وضع الله الكرسي، وجمع الأولين والآخرين، ونطقت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون، سوف تعلم شأني وشأنك غدا عنده، قال النبي عليه الصلاة والسلام: صدقت، صدقت، كيف يقدس الله أمة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم »4 .
هذه المرأة العجوز التي ظلمت واعتدي عليها، ومع ذلك الناس ينظرون إليها من أصحابها وأصحابهم، ومع ذلك لا ينتصرون لها، وهذا يبين أنه يجب على القاضي أن يأخذ الحق من الظالم، وأعظم أن يأخذ الحق من له الولاية، وأعظم من يخاطب بذلك الولاة في ردع الظالم، ودفعه وزجره، هذا من أعظم ما يكون دفعا للعقوبات العامة، وهذا على عموم الناس لكنه على من له ولاية، من إمارة أو قضاء أو أي ولاية من ولايات أهل الإسلام والعهود، فيجب أن يأخذ على يد الظالم، وأن يلزم ويجبر على الحق حتى يؤخذ منه، ويدفع لصاحبه، ويلزم بعمل الحق، ويدفع عن الظلم، كما قال عليه الصلاة والسلام: « كيف يقدس الله أمة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم »2 نعم.
1 : ابن ماجه : الفتن (4010). 2 : ابن ماجه : الفتن (4010). 3 : البخاري : الإكراه (6952) , والترمذي : الفتن (2255) , وأحمد (3/99). 4 : ابن ماجه : الفتن (4010).
|