وعن عائشة رضي الله تعالى عنها في قوله تعالى: ﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ ﴾1 قالت: « هو قول الرجل لا والله، بلى والله »2 أخرجه البخاري، وأورده أبو داود مرفوعا.
رواه أبو داود وظاهر إسناده السلامة عند أبي داود لإسناد الثقات، ولهذا بعضه صححه ومرفوعا، وهو قول الرجل: لا والله، بلى والله في بيته، فقول الرجل في بيته - عند أبي داود - قول الرجل في بيته لا الله وبلى والله، عن عائشة مرفوعا من قول النبي عليه الصلاة والسلام، لكن اعتمد البخاري أنه موقوف على عائشة رضي الله عنها.
وهكذا رجح أبو داود ورجح جمع من الحفاظ كالدارقطني وجماعة أنه موقوف، وقالوا: إن رفعه وهم والثقات والحفاظ وقفوه على عائشة رضي الله عنها، وهذا هو الأظهر وهو اللغو ﴿ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ ﴾1 واختلف في اللغو على أقوال:
قيل: اللغو ما يجري على لسان المرء في بيته أو ما عصى لا والله، وبلى والله.
وقيل: اللغو هو إذا حلف ناسيا أنه قال: والله إني ما فعلت هذا الشيء، ثم تبين أنه فعله، وقيل: اللغو هو أن يحلف على الشيء يظنه حصل، مثل أن يقول: والله إن فلانا جاء، والله إني فعلت هذا الشيء بناء على شيء ظنه، وقيل غير ذلك في اللغو .
ولو قيل بشمول اللغو لهذه الأشياء لكان حسنا، لو قيل: أنه يشمل هذه الأشياء لكان حسنا، وعلى هذا يكون اللغو في الأيمان التي لا كفارة فيها، ولهذا نقول اللغو ذكرت عائشة رضي الله عنها هذا، وذكر عائشة في الحقيقة الآية على سبب النزول حكمه حكم المرفوع، فقول الصحابي ذكر سبب النزول في هذه الآية حكمه حكم المرفوع على الصحيح، وذكرت مثالا: قول الرجل لا والله، وبلى والله، وكذلك في حكمه حينما يحلف على شيء يظنه أنه فعله، ولهذا نقول لو حلف الإنسان على شيء يظن أنه فعله لا كفارة فيه، حينما يقول: والله إني فعلت هذا الشيء، ولهذا لا كفارة على يمين ماضية إطلاقا، كل يمين ماضية لا كفارة فيها، فاليمين الماضية إما أن تكون بارة فهذه لا كفارة فيها إجماعا، وهذا القسم الأول.
القسم الثاني: أن تكون يمينا كاذبة، وهذه يمين غموس لا كفارة فيها على الصحيح، وهو وقول جماهير أهل العلم، لو قال: والله إنني فعلت هذا الشيء - كاذبا - هذا يمين غموس ولا كفارة فيه، كفارته التوبة، كذلك أيضا من اليمين الماضية التي في الماضي، لو قال: والله إني فعلت هذا الشيء، سألك: هل فعلت هذا الشيء؟ هل ذهبت؟ قلت: والله إني فعلت، والله إنه حضر، إن بلغك مثلا من رجل تثق فيه إن فلانا وصل من السفر حلفت وقلت: والله إن فلان وصل. يعني فلان أخبرني وفلان ثقة، يطمأن إلى قوله، ولهذا يحلف عليه، أو استندت إلى قرائن مثلا أن هذا الشيء حصل ثم حلفت عليه استنادا إلى قرائن مقوية في الباب فحلفت عليها، ثم تبين خلاف ذلك، هذا لا كفارة فيه أيضا في الماضي. وكذلك أيضا منه قول الرجل: لا والله، بلى والله، في يمين فلا كفارة فيه، وهذا في الحلف في الحال.
وأيضا في المستقبل إذا حلف على شيء يظن - أيضا وهذه يمين خامسة أيضا - إذا حلف على شيء يظنه واقعا فالصحيح أنه لا كفارة فيها، مثل إنسان حلف على إنسان، هو مثلا يأمر عليه إذا حلف إنسان على ولده، على زوجه، على صديقه، قال: والله إن تأكل هذا الطعام ظانا أنه يجيبك، والله إن تجيب دعوتي، أو تحلف عليه: والله إن تأكل هذا الطعام، فهذا حلف بالحقيقة على المستقبل، جمهور العلماء: أن فيه كفارة، والأظهر - والله أعلم - أنه إذا قلنا إن الماضي لا كفارة فيه إذا حلف يظن أنه، كذلك أيضا إذا حلف يغلب على ظنه أنه يجيبه، لكن ما يحلف الإنسان على إنسان يعلم أنه لا يجيبه، فعلا، ليس بينه أي معرفة أو مودة أو يغلب على ظنه بس حلف من باب المجاملة، هذه حقيقة هذا لا يجوز.
لو إنسان يعلم أن فلان مثلا لا يمكن أن يجيب دعوته، قال: والله أن تأكل هذا الطعام مثلا، يعلم هذا الحالف إذا علم أنه يحنثه، ربما قيل: لا يجوز، لكن إذا غلب على ظنه لكنه ما أجابه، فالصحيح أنه لا كفارة عليه يسمي هذا بعض العلماء يمين الكرامة، ولهذا في الحديث عند أحمد بإسناد جيد: أن عائشة رضي الله عنها جاءتها امرأة بطبق، فأكلت بعضا وتركت بعضا، فحلفت عليها أن تأكله فقال النبي عليه الصلاة والسلام: « أو حلفت عليها أن تأكل من الطبق بريها -أمرها- فإن الإثم على المحنث »3 وهذا يشهد للباب فإذا كان لا إثم عليه والنبي عليه الصلاة والسلام أمر بذلك، وجعل الإثم على من يحنث ففيه إشارة إلى أنه لا شيء عليه؛ لأنه قال شيئا له أن يقوله، المقصود أن هذه الأيمان كما تقدم لا كفارة فيها، إنما تكون كفارة اليمين التي يحلف عليها ثم بعد ذلك يندم ليحلف: والله إني أفعل هذا الشيء، ثم يندم، فإنه مثل ما تقدم يعتذر، يكفر كفارة أو يفعل الخير ويكفر، نعم.
1 : سورة المائدة (سورة رقم: 5)؛ آية رقم:89 2 : 3 : أحمد (6/114).
|