وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: « أربع لا تجوز في الضحايا: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها، والكسيرة التي لا تنقي »1 رواه الخمسة، وصححه الترمذي وابن حبان.
حديث البراء هذا حديث محكم عظيم، وهو حديث صحيح وهو أصل في الأضاحي.
« أربع لا تجوز في الضحايا: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها، والكسيرة التي لا تنقي. »1 وفي بعض الألفاظ « الكبيرة التي لا تنقي »2 هذه أربع، اتفق العلماء على أنها لا تجزئ.
" المريضة البين مرضها" إذا كان مرضا يسيرا لا يضعفها ولا يفسد لحمها فتجزئ.
كذلك "العوراء البين عورها" فإذا كان مجرد عور؛ بياض مثلا في العين ولم تنخشف عينها، ولم يظهر؛ فإنه لا يؤثر لأنه ليس العور بَيِّنًا، بخلاف ما إذا كان عورها بَيِّنًا؛ انْخَشَفَتْ عينها، أو ظهرت برزت عينها فإن هذا يؤثر.
وهذا يبين في الحقيقة فيه إشارة مع أنه ربما لم يؤثر فيها، لكن مع ذلك جعله مؤثرا في الإجزاء من جهة أيضا أنه يكون أبلغ في منظرها، وذكر بعض العلماء أن العور ربما يضعفها في أكل الطعام، وفي علفها وفي رعيها، حينما تكون عوراء؛ فالمقصود أنه عيبٌ فيها إذا كان العور بَيِّنًا.
وكذلك "المريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها" وهي التي تكون لا تلحق الغنم وتضعف عن لحاق الغنم ما تلحق، هذه إذا كانت بهذه الصفة لا تجزئ. أما إذا كان يسيرا وظلعا يسيرا وتلحق الغنم ولا تتأخر، ففي هذه الحال لا يؤثر هذا لا يؤثر.
"والكسيرة أو الكبيرة -الهزيلة المراد- لا نقي فيها" يعني لا مخ فيها فهذه أيضا لا تجزئ، وأجمع العلماء على ما جاء في حديث البراء بن عازب، قال عبيد بن فيروز: "إني أكره أن يكون في القرن أو في الأذن أو في السن شيئا" يقول عبيد بن فيروز للبراء بن عازب" إني أكره. قال: "ما كرهت من شيء فدعه ولا تُحَرِّمَه على أحد".
الإنسان إذا رأى مثلا إنسانا يشتري شاة وفيها عرج يسير أو فيها بياض يسير في عينها مثلا أو انكسار في القرن يسير؛ ما تنهى غيرَك تقول له: لا تذبحها. لا. أنت إذا كنت تكرهها فلا بأس أن تجتنبها لكن لا تمنع غيرك ولا تُحَرِّمَه عليه، وإن استشارك تأمره أن يأخذ ما هو سليم من جميع العيوب.
وهذا يبين أيضا أنه إذا لم تجزئ هذه الأربع فما هو مشابه لها، أو ما هو أبلغ فإنه لا يُجْزِئ مثل: إذا كانت مقطوعة الرجل، فإنها لا تُجْزِئ، كذلك إذا كانت عمياء، يعني إذا كانت العوراء لا تجزئ فالعمياء لا تجزئ. وقال بعضهم تجزئ العمياء، قالوا: لأنه إذا كانت عوراء لا تأكل إلا من ناحية واحدة؛ فيضعف أكلها وعلفها؛ فيضعف لحمها ولا تسمن، لكن إذا كانت عمياء تأكل ما أمامها ولا تترك شيئا. هكذا.
لكن هذا التعليل فيه نظر في الحقيقة، والصواب: أن هذا تعليل، والتعليل حينما يعود على النص بشيء من التخصيص بلا معنى صحيح، أو يعود عليه بإبطاله أو بإبطال شيء منه؛ فلا يلتفت إليه. والنبي عليه الصلاة والسلام بين هذا وقال: « العوراء البين عورها »3 دل على أنه شيء خاص بالبين عورها، وهذه لا شك أنها أبلغ من العوراء؛ أن العمياء أبلغ من العوراء. في هذه الحال لا يجزئ من باب أولى كما تقدم، وما كان مساويا لها أو مماثلا لها، وما سوى ذلك فالأظهر أنه يجزئ مثل: ما سقط سنها أو كسر في قرنها كما سيأتي الإشارة إليه. نعم.
1 : الترمذي : الأضاحي (1497) , والنسائي : الضحايا (4369) , وأبو داود : الضحايا (2802) , وابن ماجه : الأضاحي (3144) , وأحمد (4/300) , ومالك : الضحايا (1041) , والدارمي : الأضاحي (1950). 2 : الترمذي : الأضاحي (1497) , والنسائي : الضحايا (4370) , وأبو داود : الضحايا (2802) , وابن ماجه : الأضاحي (3144) , وأحمد (4/300) , ومالك : الضحايا (1041) , والدارمي : الأضاحي (1950). 3 : الترمذي : الأضاحي (1497) , والنسائي : الضحايا (4370) , وأبو داود : الضحايا (2802) , وابن ماجه : الأضاحي (3144) , وأحمد (4/300) , ومالك : الضحايا (1041) , والدارمي : الأضاحي (1950).
|