وَلَهُ: مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا: « أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ, يَطَأُ فِي سَوَادٍ, وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ, وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ; لِيُضَحِّيَ بِهِ, فَقَالَ: اِشْحَذِي اَلْمُدْيَةَ , ثُمَّ أَخَذَهَا, فَأَضْجَعَهُ, ثُمَّ ذَبَحَهُ, وَقَالَ: "بِسْمِ اَللَّهِ, اَللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ, وَمِنْ أُمّةِ مُحَمَّدٍ" »1 .
"وله": لمسلم -رحمه الله-: أنه أمر بكبش أقرن كما تقدم، أقرن: له قرنان، وهذا مثل ما تقدم يطلب في الأضاحي.
"يطأ في سواد" يعني: أن مواضع قدميه أو ما حولها فيها سواد، مواضع الرجلين فيها سواد أو ما يقرب منها.
"ويبرك في سواد" يعني موضع البطن سواد.
"وينظر في سواد" ما حول العينين فيه سواد.
ونقل عائشة لهذا رضي الله عنها إشارةً إلى كأنه قصد هذا عليه الصلاة والسلام، أو أن الله اختار له هذا سبحانه وتعالى، ولا يختار الله لنبيه إلا الأفضل والأكمل.
وفي هذا الاستعانة بالغير بإحضار السكين أو إحضار شيء فلا بأس، وأنه لا يعتبر من الاستعانة في باب العبادة؛ لأن هذا لا بأس به يستعين العبد؛ ولهذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام عائشة أن تشحذ السكين وأن تحضره وأن لا بأس بذلك، كما يستعين الإنسان في الوضوء يأمر أخاه يأمر ولده يأمر زوجته يأمر أهله مثلا بإحضار الوضوء أو ما أشبه ذلك لا بأس أن يأمره بإحضار الوضوء.
ولهذا انظر فرقٌ بين الوسيلة والغاية المقصودة إحضار الماء لا بأس به، إحضار السكين وشحذ السكين لا بأس بها، لكن نفس الذبح السنة أن يباشرها الذابح المضحي، كذلك الوضوء السنة أن تتوضأ أنت بنفسك فلا تجعل أحد يوضئك ويباشر أعضاءك؛ السنة أن تباشر العبادة بنفسك، كذلك لا تجعل أحد يصب عليك الماء، السنة أن تتوضأ أنت بنفسك، لكن إحضار الماء لا بأس.
أما نفس الوضوء أو صب الماء فالسنة أن تباشر أنت بنفسك إلا عند الحاجة فلا بأس؛ فقد ثبت في الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام صب عليه المغيرة بن شعبة الماء وهذا في حال السفر؛ ولهذا لما كان السفر حال حاجة والنبي عليه الصلاة والسلام لبس تلك الجبة التي كانت سميكة وشق عليه رفعها فاستعان بالمغيرة فكان يصب عليه، فالاستعانة تكون بإحضار الماء أو بصب الماء، أوبمباشرة غسل الأعضاء خلاف السنة، والصب لا بأس به عند الحاجة. أما الإحضار فلا بأس، كما كان يحضر ابن عباس وأنس والمغيرة وابن مسعود، كانوا يحضرون للنبي عليه الصلاة والسلام طهوره ووضوءه عليه الصلاة والسلام.
ثم أمرها قال: "اشحذيها بحجر" أن تشحذ، وهذا دليل على أنه يشرع الشحذ للذبح بأن تحد، لكن مع شرط أن توارى عن البهيمة حال الشحذ.
"ثم أخذ السكين وأضجعه" كأنه والله أعلم أخذ السكين بيده، وأمسك الكبش بيده وأضجعه عليه الصلاة والسلام، ثم ذبح ثم قال: بسم والله أكبر, كان هذا والله أعلم من باب التقديم والتأخير كأنه أضجعه ثم ذبحه وأخذ يقول، أو ذبحه وأخذ قائلا.
ليس المراد أنه قال: بسم والله أكبر بعد ذلك، لكن من باب التقديم والتأخير، وأن هذه أفعال اجتمعت في مكان واحد: الإضجاع، وأخذ السكين، والتسمية، والذبح. والأفعال التي تجتمع في مكان واحد ربما جاء في بعض الأخبار تقديم بعضها على بعض، وربما جاء بثم؛ ويقصد الإخبار عنها لا الإخبار عن ترتيب وقوعها؛ الإخبار عن وقوعها في ذلك الوقت لا الإخبار عن ترتيب وقوعها، وأن ذلك وقع مثلا بعد ما ذبح قال هذا، وهذا معلوم كما تقدم.
ثم قال: "اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد " اللهم صل على محمد. من لم يضح فقد ضحى عنه عليه الصلاة والسلام، ومن لم يضح فقد كفاه الله المئونة والغرم، لكن يشرع أن يضحي المسلم إذا وجد سعة كما سيأتي يشرع التضحية، وسيأتي أن التضحية ليست واجبة لكنها سنة متأكدة عند جماهير أهل العلم.
وفيه دلالة على أنه لا بأس أن يشترك الجماعة في الأضحية الواحدة، ولو كانوا مائة، ولو كانوا ألفا؛ لو فُرِضَ أن جماعة في منزل عشرة عشرون ثلاثون ولو كانوا مائة فلا بأس أن يضحوا بأضحية واحدة، في حديث أبي أيوب عند الترمذي وأحمد، وحديث أبي شريح الغفاري عند ابن ماجه وغيره « أن أبا أيوب رضي الله عنه قال: كان الرجل يضحي في عهد النبي عليه الصلاة والسلام بأضحية واحدة عنه وعن أهل بيته حتى صاروا إلى ما ترى »2 يعني في المفاخرة. فلا بأس أن يضحي الرجل عنه وعن أهل بيته. في باب الأضيحة لا بأس.
أما باب الإجزاء في الهدي فلا يجزئ الهدي إلا شاة كاملة: ضأن أو معز أو سبع بدنة أو سبع بقرة في تمتع وقران وترك الواجب أو فدية الأذى أو ما أشبه ذلك لا يجزئ إلا دم عن النفر الواحد.
أما في الأضحية والاشتراك فالصواب أنه يجزئ عن العدد الكثير، وهو قول جماهير أهل العلم عن الرجل وعن أهل بيته، وكذلك لو كانوا جماعة مثلا في بيت واحد وفي منزل واحد لا بأس أن يضحوا بأضحية واحدة، ولو كانوا جماعة مثلا إذا كان في مكان واحد وطعامهم واحد؛ تجزئهم الأضحية الواحدة، ولله الحمد. نعم.
1 : مسلم : الأضاحي (1967) , وأبو داود : الضحايا (2792) , وأحمد (6/78). 2 : الترمذي : الأضاحي (1505) , وابن ماجه : الأضاحي (3147) , ومالك : الضحايا (1050).
|